ربما كانت تلك البداية التي دفعتني إلى اقتناء جميع أفلام الراحل هيث ليدجر... الذي استطاع أن يقدم وفي وقت وجيز مجموعة من الأعمال العظيمة الراقية ,, هنا أحدها
الاستراليون يتذكرون على نحو واسع جدا قصة مواطن استرالي من اصل ايرلندي اسمه (نيد كيلي) ولد عام 1854 في قرية (كريتا) باحراش ولاية فيكتوريا على بعد 240 كيلومترا شمال شرق مدينة ملبورن ، وهو كان اصغر ثمانية اشقاء، مات زوج والدته وهو بعد طفل يحبو، كان يجول الاحراش منذ صغره محاولا اكتشاف اسرارها واسرار سكانها ، وهو يرى عائلته تعاني من فقر مدقع بينما قلة من الناس يملكون الجياد وقطعان الخراف والماعز والابقار ، فقد كانت عائلة كيلي لا تملك الارض ، بل كانت تستأجر قطعة منها وبشروط مجحفة انذاك اذ كان عليها ان تسور الارض على حسابها وتبني عليها منزلا وتزرعها وتدفع اجرا اضافيا ، كانت حياتهم في تلك الايام قاسية جدا، فشب كيلي وهو يشعر بغبن كبير وبوضع اجتماعي غير منصف، فسلك درب الانتقام والتحدي واخذ يسرق جياد الملاك الاغنياء، واصبحت قصصه على كل لسان فأحبه المزارعون الفقراء وغنوا له، وكانوا يساعدونه ويخفونه من عيون الشرطة، وقبض عليه لاول مرة عندما كان عمره 16 عاما واودع السجن ليقضي فيه ثلاث سنوات وقد اتهم بسرقة خيول بعض اغنياء منطقته.
على الرغم من كل هذه الأعمال إلا أن نيد كيلي تحول إلى بطل شعبي تجاوزت شعبيته آفاق استراليا فالكثيرون يبررون له اعماله تلك اذ يعتقدون ان الوضع الاجتماعي المتخلف والفقر السائد انذاك وطيش بعض حماة القانون معه قد سببوا انحرافه عن طريق الصواب، وربما ان رسائله التي كان يرسلها دائما الى الشرطة تعطي الانطباع بان كيلي كان يضمر في دواخل نفسه الكثير من الفروسية والنبل ، وكان يعتقد انه يطبق العدل على طريقته الخاصة، فقد كتب كيلي في فقرة من احدى رسائله الى الشرطة ما يلي : لست معنيا كثيرا بطلب الرأفة لي وللمقاتلين معي، ولست ممن يطلبون الاعتذار ، ولكن يهمني ان اقول لكم اذا لم تطلقوا سراح هؤلاء الابرياء(وكان يقصد والدته وبعض اصدقائه) واذا لم تعاملوا اهلي بالعدل والانصاف سأضطر الى سلوك كل طرق الانتقام مستقبلا ضدكم.
ومرة داهمت قوة من الشرطة منزل كيلي مما ادت الى اطلاق الرصاص واصيب رجل شرطة في يده، واتهمت الشرطة والدة كيلي وقيل انها هي التي اصابت الرجل فحكمت بالسجن لثلاث سنوات، وتقول رواية اخرى ان كيلي وامه استشاطا غضبا عندما رأيا ان احد افراد القوة الحكومية يريد الاعتداء على احدى شقيقات كيلي مما حملت الام على اطلاق النار عليه ، بعد هذه الحادثة هرب كيلي الى الغابات الموحشة ليصادق الطيور وقطعان الكنغارو والمطر الغزير، وشكل مع اخيه (دان) وبعض رفاقه عصابة، مهمتها سرقة خيول الاغنياء ومداهمة المصارف وليصبح هو ورفاقه بعد ذلك طريد الشرطة في مدن وغابات استراليا، ويقول بعض الاستراليين ان كيلي كان يوزع ما يغنمه على المزارعين الفقراء في منطقته، مما جعل الناس ينظرون اليه نظرة المنصف والعادل على الرغم من كونه طريد العدالة.
ولما كثرت تحركات كيلي واصبحت لا تطاق من قبل السلطات ، تقرر تجهيز حملة قوية للايقاع به ، واستعد كيلي لمجابهة خطط الشرطة فصنع لنفسه ولرفاقه دروعا من الواح الفولاذ لا يخترقها الرصاص كما صنع ايضا خوذة فولاذية تغطي كامل وجهه ورقبته بفتحتين صغيرتين فقط للرؤية ، بحثت الشرطة عنه طويلا الى ان استطاعت مفرزة منهم محاصرته في احد المواقع ، فنشب قتال عنيف بين الشرطة وعصابة كيلي ، مما اسفر عن مقتل ثلاثة من الشرطة واتهم كيلي بقتلهم، فخصصت الحكومة مبالغ من المال وصل اخيرا الى ثمانية الاف باوند مقابل رأسه، هذه الثمانية الاف باوند اذا قيست بسعر الدولار الاسترالي اليوم فانها كانت تساوي حوالي مليوني دولار استرالي .
بعد كل هذا كثفت الحكومة حملاتها للايقاع بكيلي وعصابته وتمت استدعاء بعض المتخصصين في اقتفاء الاثار، الى ان وجدوه هو ورفاقه في احد فنادق الطرقات وهو فندق (كلين رون هوتيل)، وكان ذلك في عام 1880 وكان كيلي مع اربعة من رفاقه في المكان ، وبعد تبادل اطلاق الرصاص استطاع كيلي من اختراق القوة المحاصرة ليهرب الى خارج الطوق ، ولكنه عاد الى القتال لينقذ بقية رفاقه من ايدي الشرطة ، وكان كيلي يلبس درعه الفولاذي ، وتروي الحكايات انه اصاب عددا كبيرا من افراد القوة المحاصرة، وكانت القوة تنهال عليه بنيران غزيرة ولكنه كان يتقدم نحوهم غير مبال على الرغم من ان كثافة النيران كانت تهزه شمالا ويمينا وتعرضه للتعثر والسقوط ، ويقال ان القوة كادت تفر امامه لولا ان بعض الرصاصات اصاب مواضع مكشوفة من جسمه فاوقعه النزيف ارضا ولكنه لم يمت، ولكن كل افراد عصابته ومنهم شقيقه لقوا حتفهم، اعتقل كيلي وتم اخذه الى المشفى ثم احيل الى المحاكمة، فقرر المحلفون انه مذنب بالقتل وارتكاب سرقات وحوكم بالاعدام شنقا حتى الموت ونفذ فيه الحكم في 11.11.1880 عن عمر ناهز الخمسة والعشرين عاما فقط.
وخلد فيلم نيد كيلي ببطولة هيث ليدجر ورفيقه أورنلاد بلوم قصة نيد كيلي، ويبقى أداء هيث في هذا الفيلم خالداً حتى بعد رحيله ...